جائحة فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد - قوة قاهرة أم ظروف طارئة - الآثار والتطبيقات التشريعية والقانونية في العقود التجارية


تلعب العقود التجارية دورا هاما ومركزيا في تنظيم التعاملات التجارية والتبادلات الاقتصادية الوطنية منها والدولية وتؤسس قاعدة صلبة لالتزامات الأطراف وفق التشريعات والقوانين والمعاهدات ذات العلاقة باعتبارها منشأ الإرادة وضابط الإلتزام بين الأطراف، وفي حين كون الالتزام العقدي مبدأ متفق عليه من مبادئ الالتزام تشريعا وقانونا، ولا يسوغ تعديله أو فسخه أو إلغاؤه دون التقاء إرادة الأطراف، غير أنه قد يطرأ عليه من المسوغات الشرعية والأسباب القانونية الخارجة عن إرادة الأطراف ما يجعل تنفيذ الإلتزامات العقدية شاقا ومكلفا على غير العادة أو مستحيل التنفيذ استحالة تامة، وفي ظل الأحداث الاستثنائية للوباء الذي بات يعرف بفايروس كورونا كوفيد 19 المستجد، والذي تم إعلانه وباءا عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية بتاريخ 12 مارس 2020 م وسبق ذلك إجراءات احترازية ووقائية منذ اكتشاف المرض في ووهان - الصين في ديسمبر 2019 م حيث قامت العديد من دول العالم بما فيها المملكة العربية السعودية باتخاذ حزمة من القرارات السيادية للحفاظ على الأمن الصحي للمواطن والمقيم ومواجهة التفشي الذي ينذر بكارثة صحية واقتصادية على المستوى المحلي والإقليمي. وبسبب الأزمة العالمية الراهنة انبثقت تلك القرارات الاحترازية التي كان لها انعكاس سلبي الأثر تمثل في إيقاف وتعليق العديد من الأنشطة الاجتماعية والتجارية وشكل عائقاً أمام عجلة الاقتصاد وركودا وكسادا تجاريا طالت آثاره العديد من العقود والالتزامات، بعضها بات مستحيل التنفيذ استحالة تامة و الآخر منها تضرر بشكل بالغ، بينما لا زال البعض قابلا للتنفيذ، وجزء من هذه العقود والالتزامات أثْرت إثراءا جيدا مع بداية الأزمة بسبب الاختصاص النوعي الذي تفردت به لتأدية أنشطة تناسب الوضع الراهن، فهل يعد فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد قوة قاهرة أم ظرفا طارئا؟ وما المعيار القانوني للتمييز بينهما وكيف يتم تحديد المسار القانوني الصحيح لتكييف هذا الفايروس المستجد قوة قاهرة أو ظرفا طارئا؟ وما آثاره وتطبيقاته تشريعا وقانونا في العقوة التجارية والتزاماتها؟ هذا ما سنستعرضه في الأسطر التالية.

1- الجوائح في الفقه الإسلامي

تناولت الشريعة الإسلامية عموما والفقه الإسلامي خصوصا حياة الإنسان بشمولية واحتواء لشتى الأحوال والظروف، ووضعت للإنسانية قواعد العبادات وأسس المعاملات التي تنظم العلاقة بين الإنسان وخالقه، والإنسان وبني جنسه الإنسان، والإنسان والكون الذي يعيش فيه بمخلوقاته وموجوداته وأحواله وظروفه، حتى أنّ الثروة الفقهية والأحكام الشرعية في ديننا الحنيف متمثلة في الكتاب والسنة لتكاد تكون دليلا شاملا للحياة ودستورا للخليقة وتنظيما عمليا لما يستجد ويستحدث في حياتنا من ملمات وأزمات ومشكلات، إلاّ أن الميزة المتفردة في الشريعة الغراء أنها تتسم بطابع الشمولية والمرونة في مناسبة أحكامها لكل زمان ومكان وحدث ، وما تعارف عليه الفقهاء بما يسمى "النازلة" أو "فقه النوازل" الذي يقرر أحكام ما استجد واستحدث في أحوال الناس وأزمانهم بما يتفق مع الأصول الشرعية والقواعد الفقهية المعتبرة، ليستحث العقل والفكر على البحث والقياس والتأمل لتنزيل الأحكام والنصوص الشرعية الثابتة على الواقعة المستجدة ، فكان اجتهاد العلماء في تكييف الوقائع وتنزيل نصوص الكتاب والسنة عليها، وأقوال الفقهاء في أحكام المسائل المناظرة لبيان أحكامها وتأصيل مستندها الشرعي من مصادر التشريع الإسلامي. ولمّا كانت الجوائح في بلادنا ندرة واستثناءا لواقع الأمن والأمان والرخاء الذي نعيشه بفضل الله ورحمته لقرابة قرن من الزمان، حيث لم تنزل بالمسلمين نازلة عامة كجائحة فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد، فإن السوابق القضائية وتطبيقات هذه النظرية فيها قد تكون ندرة إن لم توجد إلا في حالات محددة ومخصوصة، وغالب ما عليه القضاء السعودي في مثل هذه الحالة استقراء الأحكام الشرعية للمسائل المناظرة في الفقه الإسلامي، ولأن أنظمة المملكة لم تتناول نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة باحتواء شامل لجوانب هذه المسألة قانونا -كما سيأتي توضيحه- فإن الاجتهاد الشرعي في هذه النازلة بالاطلاع على أقوال الفقهاء رحمهم الله وما تم إيراده في القوانين الدولية -التي سنجد فيها حضور المواد المقننة لأحكام هذه النظرية وتطبيقاتها نظاما وقضاءا بشكل واضح- هو السبيل للوصول إلى تصور كامل للمسألة لتقرير الحكم فيها، ولذا فإنا سنشرع ابتداءآ في توضيح الجوائح وأصلها الشرعي في الفقه الإسلامي فيما سيأتي.

1.1- الأصل الشرعي لأحكام "الجوائح" تشريعٌ لنظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة

من المقرر والمعلوم لدى الفقهاء ما اصطلح على تسميته ب (الجائحة) في الفقه الإسلامي والذي بسط لها الفقهاء تفصيلا فقهيا وتأصيلا شرعيا تناول أحكامها وآثارها على معاملات البيع والإجارة وغيرهما، و(الجائحة) في الفقه الإسلامي : هي كل آفة لا صنع للآدمي فيها، كالريح الشديدة والبرد القارس، والحر الشديد، والصواعق والجراد ونحوها من الآفات السماوية، ويناظرها في القانون ما اصطلح على تسميته بالقوة القاهرة والظروف الطارئة التي تحدث الضرر بقوة خارجة عن إرادة الإنسان وتصرفاته، وتأصيلها الشرعي مستنبط من رواية بالسنة النبوية " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابني اشترى ثمرة من فلان، فأذهبتها الجائحة، فسأله "أي النبي" أن يضع عنه، فتألّى أن لا يفعل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"تألى فلان أن لا يفعل خيرا" متفق عليه ، وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام "أمر بوضع الجوائح"، وعنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، لِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟" رواه مسلم وأبو داود

1.2- أقوال الفقهاء في أصل مسألة "الجوائح"

أشرنا في تأصيل الحكم الشرعي لمسألة الجوائح إلى ما استند عليه الفقهاء من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في وضع الجوائح في الثمار ، ورغم أنه دليل تناول جوائح الثمار خصوصا إلا أنه أصل في استنباط أحكام مسألة الجائحة في البيوع والتجارة، وحيث أن الفقهاء -كما أسلفنا- أعملوا قواعد الشرع وأصول الاستدلال لتطبيق القاعدة ذاتها على وقائع متعددة في البيع والإجارة والعديد من المعاملات والعقود. وتتلخص أقوال الفقهاء في أصل مسألة الجوائح في ثلاثة آراء فقهية كالآتي:
القول الأول : وضع الجائحة مطلقا سواء ما زاد على الثلث أو نقص عنه ، وهو مذهب الحنابلة ومذهب الشافعي في القديم .. واستدلوا بوضع الجائحة بحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من باع ثمرا فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا علام يأخذ أحدكم مال أخيه" وما روي عنه أنه قال : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح " .فدليل من أجاز الجوائح ما رواه جابر في الحديثين السابقين، وقياس الشبه أيضا ، وذلك أنهم قالوا : إنه مبيع بقي على البائع فيه حق توفية ، بدليل ما يلزمه من سقي ورعاية إلى أن يكمل ، فوجب أن يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي فيها حق توفية ، والفرق عندهم بين هذا المبيع وبين سائر البيوع أن هذا بيع وقع في الشرع ، والمبيع لم يكمل بعد ، فكأنه مستثنى من النهي عن بيع ما لم يخلق ، فوجب أن يكون في ضمانه مخالفا لسائر المبيعات.
القول الثاني : عدم وضع الجائحة مطلقا : وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد . واستدلوا بتشبيه هذا البيع بسائر المبيعات ، وأن التخلية في هذا المبيع هو القبض .وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من المشتري ، ومن طريق السماع أيضا حديث أبي سعيد الخدري قال : " أجيح رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا عليه ، فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " ومنه استدلوا على عدم حكم النبي بالجائحة .وأيضا فإن أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بالتصدق عليه وأمر غرمائه بأخذ ما وجدوا لا يدل على وجوب وضع الجائحة ، إذ لو كانت توضع لم يفتقر إلى أمره إياهم بالصدقة عليه والأخذ فيكون الأمر محمولا على الاستحباب ، أو فيما بيع قبل بدو الصلاح . القول الثالث : التفريق ، فيوضع الثلث وما زاد عنه ، ولا يوضع أقل منه ، وهذا قول المالكية ورواية عند الحنابلة لقوله صلى الله عليه وسلم : " الثلث والثلث كثير ".
وفيما سبق من استعراض لأقوال الفقهاء في أصل مسألة الجوائح يتبين لنا أنها محل خلاف بحسب الاستدلال وتكييف الوقائع والظروف الملابسة لها ، فكما استدل البعض على وضع الجوائح بنص الحديث في القول الأول، فإن القول الثاني استدل بما يعارضه في عدم وضع الجائحة مطلقا لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الغرماء بأخذ ما يمكن، وجاء القول الثالث ليوازن بينهما باعتبار الكمية والقدر فيما يوضع من الجائحة. وهنا تبرز أهمية تنزيل الأحكام الكلية للمسألة باختلاف الأقوال فيها على نوازل فقهية معاصرة كجائحة كورونا المستجد ليكون حسما لمسألة الخلاف في اعتبار آثاره سببا لفسخ العقود أو تعديلها.

1.3- مسألة "الجوائح" في البيوع والإجارة

ذهب العلماء رحمهم الله إلى تنزيل أحكام الجائحة على البيوع والإجارة وحكم تلف المعقود عليه مباعا أو مؤجرا و انتفاء المنفعة منه أو انقطاعها بأمر سماوي وأثر ذلك إن كان قبل القبض أو بعده، وقبل الانتفاع أو بعده ، وما يستحق من الأجرة قدر الانتفاع بالعين، وقد جاء في مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية : فصل في وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤجرات مما تمس الحاجة إليه، وذلك داخل في قاعدة تلف المقصود المعقود عليه قبل التمكن من قبضه قوله: "قال الله في كتابه (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقال تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وقال تعالى، فيما ذم به بني إسرائيل (فبما نقضهم ميثاقهم - إلى قوله - وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) ومن أكل أموال الناس بالباطل أخذ أحد العوضين بدون تسليم العوض الآخر، لأن المقصود بالعهود والعقود المالية هو التقابض، فكل من العاقدين يطلب من الآخر تسليم ما عقد عليه ولهذا قال تعالى (واتقوا الله الذي تساءلون به) أي تتعاهدون وتتعاقدون، وهذا هو موجب العقود ومقتضاها، لأن كلا من المتعاقدين أوجب على نفسه بالعقد ما طلبه الآخر وسأله منه، فالعقود موجبة للقبوض، والقبوض هي المسؤولة المقصودة المطلوبة، ولهذا تتم العقود بالتقابض من الطرفين، حتى لو أسلم الكافران بعد التقابض في العقود التي يعتقدون صحتها أو تحاكما إلينا لم نتعرض لذلك لانقضاء العقود بموجباتها”. وله رحمه الله أيضا أنّ تعذر استيفاء المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة أو نقصها أو الفسخ، قال رحمه الله : "ولا خلاف بين الأمة أن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة أو نقصها أو الفسخ وإن لم يكن للمستأجر فيه صنع كموت الدابة وانهدام الدار وانقطاع ماء السماء، فكذلك حدوث الغرق وغيره من الآفات المانعة من كمال الانتفاع بالزرع." وتكلم أيضا رحمه الله في الجوائح في الإجارة فقال: " وأما الجوائح في الإجارة فنقول: لا نزاع بين الأئمة أن منافع الإجارة إذا تعطلت قبل التمكن من استيفائها سقطت الأجرة، لم يتنازعوا في ذلك كما تنازعوا في تلف الثمرة المبيعة، لأن الثمرة هناك قد يقولون قبضت بالتخلية، وأما المنفعة التي لم توجد فلم تقبض بحال. ولهذا نقل الإجماع على أن العين المؤجرة إذا تلفت قبل قبضها بطلت الإجارة، وكذلك إذا تلفت عقب قبضها وقبل التمكن من الانتفاع، لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه تلف المبيع بعد القبض جعلاً لقبض العين قبضا للمنفعة."

1.3- ضوابط "الجائحة" في الفقه الإسلامي

من خلال استقراءك لأقوال الفقهاء في مسألة "الجوائح" ستجد أن الوصف الذي أطلقوه على الجائحة في نقاش المسألة تضمن شروطا لتحققها: أولها: أن تكون آفة سماوية لا صنع لآدمي فيها، وثانيا: أن لا يمكن دفع ضررها والاحتراز منه، وثالثا: أن تكون بغير تعد أو تفريط من أحد المتعاقدين، ورابعا: زوال المنفعة أو تلف المعقود عليه. ومما سبق في أقوال الفقهاء رحمهم الله في مسألة الجوائح، والتي لم نسبر أغوارها المبسوطة تفصيلا واستدلالا وتبيينا في كتب الفقه وشروحاته التي تناولت أحوال المسألة بعمق واستقصاء ومناقشة مستفيضة، تعطي القارئ لمحة عن الثروة التشريعية في شريعة الإسلام، والتي تحتاج لتقنين وفق نظام متوائم مع قضايا العصر. وهنا يتضح أن تنزيل الأحكام الكلية للجائحة على الوقائع والنوازل المشابهة كجائحة فايروس كورونا المستجد وأثره على العقود التجارية- مع تباين أنواع العقود وموضوعاتها- يخضع لاعتبارات عدة ولدراسة كل عقد وحالة بظروفها وملابساتها وعوارضها، والضابط في ذلك كله أن تقدير آثار جائحة فايروس كورونا على الالتزامات العقدية لا يمكن حسمه إلا بطريقين : الأول : فتوى شرعية، الثاني: حكم قضائي، وكلاهما يفتقر لاستقراء شرعي ونظامي مقنن لأحكام الفقه في الجائحة، وتنزيلها على ما استجد من وقائع العصر، ما يفتح باب الاجتهاد الموسع في المسألة دون قاعدة منضبطة أو نظام موحّد، ووضع نظام وتشريع خاص بها وفق مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية سيحسم الشتات في المسألة.

2- القرارات والتشريعات في الظروف الطارئة في المملكة العربية السعودية

بادرت المملكة العربية السعودية باتخاذ قرارات حاسمة وإجراءات احترازية مع بداية ظهور فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد في ديسمبر 2019 م بووهان - الصين، وظهور آثاره الوبائية الخطيرة والتي لم يوجد لها علاج فعال حتى الآن، وذلك للحفاظ على الأمن الصحي للبلاد وعيا ًمن ولاة أمرنا -حفظهم الله- بضرورة حفظ الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها، وإيمانا من قيادتنا الحكيمة بواجب رعاية الشئون العامة لرعاياها في مختلف جوانب الحياة بما يحقق مصالحهم في جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، ولذلك فقد صدرت قرارات عدة تصب في الصالح العام انبثقت عن توصيات مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي العهد حفظه الله والذي تم تشكيله بالأمر الملكي رقم (أ/69) بتاريخ 9/ 4/ 1436هـ، ورقم (أ/70) بتاريخ 9/ 4/ 1436هـ، ورقم (أ/266) بتاريخ 8/ 10/ 1436هـ، للأوامر الملكية ذوات الصلة بتشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وحيث صدر الأمر السامي الكريم رقم 40958 وتاريخ 2/7/1441هـ بالموافقة على ما رآه مجلس الشئون السياسية والأمنية في محضره رقم 6499 وتاريخ 2/7/1441هـ بالموافقة على اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية في إطار منع تفشي فايروس كورونا المتضمنة "اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من التجمعات الكبيرة مما قد يتسبب في نشر الفايروس لا قدر الله" إ.هـ ، ووفق الإرادة الملكية الكريمة وضمن صلاحيات "مجلس المخاطر الوطنية" برئاسة ولي العهد المشكل بقرار مجلس الوزراء رقم (87) وتاريخ 7/2/1440هـ، والمكلف بإدارة الأزمة ضمن صلاحياته المتضمنة : إجراء تقويم شامل للمخاطر الوطنية، وتحديد مواطن الضعف، وإعداد سجل للبنية التحتية الحيوية وشبكة معلومات الاتصال مع الجهات ذوات العلاقة، والإطار العام لإدارة الكوارث ، والرفع بها إلى مجلس المخاطر الوطنية لاعتمادها. وقد صدرت بناءا على التنظيم أعلاه عدة قرارات متتالية تضمنت ما يلي:
1. إيقاف تأشيرات العمرة للزوار من الخارج.
2. إيقاف رحلات الطيران الدولي ثم المحلي.
3. إيقاف صلاة الجمعة والجماعة والطواف في الحرمين الشريفين وجميع المساجد والاكتفاء برفع الأذان.
4. إيقاف الحضور لمقرات العمل للقطاع العام ثم الخاص "مع استثناءات لفئآت معينه".
5. تأجيل جميع الجلسات القضائية واستمرار النظر في القضايا المستعجلة، واستمرار الترافع والمحاكمة فيها عن بعد.
6. إغلاق الأسواق والمجمعات التجارية عدا الصيدليات والأنشطة التموينية الغذائية.
7. اقتصار الخدمة في تقديم الأطعمة والمشروبات وما في حكمها على الطلبات الخارجية فقط.
8. تعليق الدراسة في جميع مدارس ومؤسسات التعليم العام والأهلي والجامعي والفني في المملكة.
9. منع التجمع في الأماكن العامة المخصصة للتنزه، مثل الحدائق والشواطئ والمنتجعات.
10. حظر الدخول والخروج من المدن الرئيسية.
11. حظر التجول الجزئي المؤقت وصولا إلى المنع التام 24 ساعة لمدن المملكة الرئيسية عدا الفئات المستثناة.

ولا شك أن لهذه القرارات انعكاسات وآثار عدة على كافة الأصعدة تضررت منها قطاعات تجارية ومالية وخدمية وتعليمية، تمثلت في تعليق ووقف العديد من العقود والالتزامات المالية وتعطيلها، فضلا عما تسببت به هذه الأزمة العالمية من أثر سلبي تمثل في تدهور الاقتصاد العالمي والركود التجاري والدخول في مرحلة كساد أعلن عنها البنك الدولي مؤخرا في رحلة قد تستغرق العام 2020 م كاملا في أحسن الأحوال.

2.1- التأصيل الشرعي والتكييف القانوني لطبيعة القرارات الحكومية بشأن جائحة فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد

التأصيل الشرعي: إن مما لا ريب فيه أن طاعة ولي الأمر واجبة واتباع توجيهاته ملزمة ، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" الآية، وولي الأمر منوط به حفظ الدين وسياسة الدنيا، وما اتبعه المسلمون إلا ليسوس مصالحهم ويدبر شئونهم فيما فيه نفع للبلاد والعباد، ولا يكون ذلك إلا بقوة وحزم وحكمة، نقل ابن قيم الجوزية في كتابه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) عن ابن عقيل في(الفنون) قوله: "جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية : أنه هو الحزم ، ولا يخلو من القول به إمام، فقال شافعي : لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل : السياسة ما كان فعلا يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نزل به وحي"، وعن ابن القيم أيضا في مقدمته: " ..نوعان من الفقه لابد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ... يميز به بين الحق والباطل..ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب" ، وحين نستقرأ أحداث الواقع ونتأمل القرارات السيادية لولي أمرنا في تشكيل مجلس يضم نخبة الخبراء من وزراء الدولة في شتى المجالات، أدار الأزمة بكل مهارة واقتدار في ظل تهاون الدول المتقدمة وتباطئها في اتخاذ الاحترازات اللازمة للوباء، ونرى فارق الأثر في إدارة المخاطر، ندرك حينها حكمة قيادتنا ورشدها ووجوب اتباع أمرها حيث جعلت صحة وسلامة المواطن والمقيم من أولوياتها.
التكييف القانوني: ويناظر المبدأ الشرعي في مشروعية هذه القرارات ما تضمنته مبادئ النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم (ا?/90) وتاريخ 1412/08/27هـ، حيث أشارت المادة (62) إلى ا?نه: "للملك ا?ذا نشأ خطر يهدد سلامة المملكة ، ا?و وحدة أراضيها، ا?و ا?من شعبها ومصالحه، ا?و يعوق مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، ا?ن يتخذ من الإجراءات السريعة ما يكفل مواجهة هذا الخطر. وإذا رأى الملك أن يكون لهذه القرارات صفة الاستمرار فيتخذ ما يلزم بشأنها نظاما". ا?.هـ. ومضمون النظام تحقيق المصلحة العامة، وعليه فإن القرارات الصادرة بهذا الشأن هي قرارات سيادية ذات مصالح عليا وذات نفع عام يحقق الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحفظها، ورغم آثارها السلبية إلا أن ولي الأمر أخذ بعين الاعتبار في اتخاذها القاعدة الفقهية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" و "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف منه" ، ولا يجوز الطعن بها أو الاعتراض عليها، حيث نصت المادة الرابعة عشر من نظام ديوان المظالم -جهة الاختصاص في الطعن على القرارات الإدارية- على ما يلي: "لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة.. ". ولأنها قرارات موافقة للشرع والنظام.

2.2- القوة القاهرة والظروف الطارئة في أنظمة المملكة العربية السعودية

تناولت أنظمة المملكة العربية السعودية مفهوم القوة القاهرة و الظروف الطارئة- بشكل عرضي في بعض موادها المتفرقة في بعض الأنظمة التجارية والمالية والعمالية ولوائحها ، لكنها لم تكن في مجموعها دستورا ومنهجا متكاملا ونظاما تفسيريا يتناول موضوع القوة القاهرة والظروف الطارئة، بل إن بعضها أشار إلى تعريف القوة القاهرة دون تفسير أحكامها أو شرح وبيان تطبيقاتها في النظام، ما يلجأ معه الممارس القانوني، والحاكم القضائي -كما أسلفنا- إلى الاعتماد على التقدير الفردي، والاجتهاد الشخصي في تكييف المسألة وحكمها، ويلجأ في سبيل ذلك إلى أقوال الفقهاء في كتب الفقه أو إلى أنظمة تناولت الموضوع في تشريعات الدول الأخرى والقوانين الدولية. وقد أشار نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/128) وتاريخ 13/11/1440هـ في المادة ً-الأولى إلى مفهوم الحالة الطارئة با?نها: "حالة يكون فيها تهديد السلامة العامة ا?و الأمن العام ا?و الصحة العامة جديا وغير متوقع، ا?و يكون فيها إخلال ينذر بخسائر في الأرواح ا?و الممتلكات، ولا يمكن التعامل معها بإجراءات المنافسة العادية". وفي ما يلي توضيح للأنظمة التي تضمنت الإشارة للقوة القاهرة والظروف الطارئة:

م النظام رقم المادة نص المادة أو اللائحة 1 النظام البحري التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/33) وتاريخ 1440/04/05هـ، (171) (162) (136) "ينفسخ عقد ا?يجار السفينة دون تعويض على المو?جر ا?و المستا?جر ا?ذا قامت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الرحلة مستحيلا أو إذا منعت التجارة مع الدولة التي يقع فيها أحد ميناءي الشحن والتفريغ". "لا تستحق الأجرة ا?ذا توقفت السفينة بسبب قوة قاهرة، أو بفعل المؤجر أو تابعيه". "إذا حالت قوة قاهرة دون البدء في السفر أو دون مواصلته استحق البحار المعين بالرحلة أجرة عن الأيام التي قضاها فعلاً في خدمة السفينة، ولا يجوز له المطالبة بأي مكافأة أو تعويض". 2 نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 1426/8/23هـ (74) (87) (91) "ينتهي عقد العمل في أي من الأحوال الآتية ، الفقرة (5) : القوة القاهرة" "..تستحق المكافأة كاملة في حالة ترك العامل العمل نتيجة قوة قاهرة خارجة عن إرادته" "ا?ذا تسبب عامل في فقد ا?و ا?تلاف ا?و تدمير ا?لات ا?و منتجات يملكها صاحب العمل ا?و هي في عهدته وكان ذلك ناشئا عن خطا? العامل ا?و مخالفته تعليمات صاحب العمل ولم يكن نتيجة لخطا? الغير ا?و ناشئا عن قوة قاهرة ، فلصاحب العمل ا?ن يقتطع من ا?جر العامل المبلغ اللازم للإصلاح ا?و لإعادة الوضع ا?لى ما كان عليه" 3 اللائحة التنفيذية لنظام العمل الصادرة بقرار وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية رقم (70273) وتاريخ 11/4/1440هـ (21) "في تنفيذ أحكام المادة (61) من النظام يقصد بعبارة تشغيل العامل سخرة : جميع الأعمال ، أو الخدمات التي تفرض عنوة على العامل ، ولم ينص عليها في عقد العمل ........ويستثنى من ذلك أي عمل أو خدمة تفرضها حالات الطوارئ ، أو القوة القاهرة، مثل حالات الحروب ، أو الحرائق ، أو الفيضانات، أو الزلازل ، أو الأمراض الوبائية العنيفة، أو غزوات الحيوانات، أو الحشرات، أو الآفات النباتية، وغير ذلك"." 4 نظام الايجار التمويلي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/48) وتاريخ 1433/8/13هـ (9) نص على " ا?ن المو?جر يتحمل تبعة الهلاك ا?ذا كان بسبب قوة قاهرة". 5 النظام الموحد للتعدين لدول مجلس التعاون الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (289) وتاريخ 1435/7/6هـ (28) "إذا منعت القوة القاهرة أو عاقت أو أخّرت قيام المرخص له بأي من التزاماته في الوقت المحدد، فإن التعطيل أو التأخير الناتج عن ذلك لا يعد إهمالا أو تقصيرا في العمل أو الأداء، ويجب أن تمدد الفترة التي كانت محددة للعمل الذي توقف أو تعطل لمدة لا تقل عن فترة القوة القاهرة بعد موافقة السلطة على ذلك كتابة" 6 نظام الطيران المدني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/44) وتاريخ 1426/7/18هـ (18) "مع مراعاة أحكام نظام الاستثمار الأجنبي، لا يجوز لأي مشغل ا?جنبي نقل الركاب، ا?و البضائع، ا?و البريد با?جر، ا?و بمقابل، بين نقطتين واقعتين في إقليم المملكة. ومع ذلك يجوز للهيئة التصريح بمثل هذا النقل لمواجهة الظروف الاستثنائية، ا?و الخاصة، ا?و لاستكمال رحلة دولية قادمة من الخارج. " 7 اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (622) وتاريخ 1439/23/24هـ (31) "نصت المادة على ا?نه يجوز تعديل الخطة في عدة ا?حوال، ومنها: حالات القوة القاهرة" 8 النظام الأساسي لرابطة الدوري السعودي للمحترفين الصادر في 2019 م “ا?ي ا?مور طارئة لم ترد في هذا النظام الأساسي، وفي حالات القوة القاهرة، يتولى مجلس ا?دارة الرابطة البت فيها.” 9 نظام الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/41) وتاريخ 1423/11/3هـ، (20) (24) (154) "يحظر على وسائل النقل البحرية التي تدخل الدولة مهما كانت حمولتها الاستيعابية أن ترسو في غير الموانئ المعدة لاستقبالها، إلا في ظرف بحري طارئ أو بسبب قوة قاهرة، وعلى الربان في هذه الحالة أن يقوم بإشعار أقرب دائرة جمركية أو مركز أمني بذلك دون إبطا".. "يحظر على السفن التي تقل حولتها الاستيعابية عن مائتي طن بحري أن تدخل أو تنتقل ضمن النطاق الجمركي البحري وهي محملة بالبضائع المقيدة، أو الممنوع استيرادها، أو الخاضعة لفئات رسوم عالية في التعرفة الجمركية، إلا في الظروف الناشئة عن طوارئ بحرية، أو بسبب قوة قاهرة، وعلى الربان في هذه الحالة أن يقوم بإشعار أقرب دائرة جمركية أو مركز أمني بذلك دون إبطاء، ويستثنى من ذلك البضائع المنقولة بين موانئ الدولة والتي أنهيت إجراءاتها الجمركية. "أ - تتكون المخالفة كما تترتب المسؤولية المدنية في جرائم التهريب بتوافر الأركان المادية لها ، ولا يجوز الدفع بحسن النية أو الجهل، إلا أنه يعفى من المسؤولية من أثبت أنه كان ضحية قوة قاهرة . وكذلك من أثبت أنه لم يقدم على ارتكاب أي فعل من الأفعال التي كونت المخالفة أو جريمة التهريب أو تسبب في وقوعها أو أدت إلى ارتكابها".

ويتضح من خلال استقراء المواد واللوائح التي تطرقت للقوة القاهرة أو الظروف الطارئة في أنظمة المملكة أنها أشارت إلى تحقق النظرية كشرط لفسخ العقد أو عدم استحقاق الأجرة، أو تعليق التزامات العقد دون تحديد ضوابط القوة القاهرة أو تفسير ظروف الأحوال الطارئة التي تجيز ذلك بمعايير تتناسب مع شدة الحالة وقوتها تدرجا في موازنة عادلة بين مصالح طرفي العقد ليكون تنظيم المنظم في تأثير الحالة على الالتزام العقدي يراوح ما بين ثلاثة أحوال تتناسب مع حجم الضرر لأطراف الالتزام، الأولى: تعليق العقد وإيقافه مؤقتا بقدر لا تترتب عليه خسارة مجحفة لأي من الطرفين في ظل الظرف الطارئ، الثانية: تعديل الالتزامات العقدية بين الطرفين بما يخفف من صعوبة التنفيذ وارهاق التبعات المالية للعقد في ظل الظرف الطارئ، الثالثة: الفسخ التام لالتزامات الأطراف لتحقق القوة القاهرة بمسوغاتها الشرعية والنظامية، وقد تطرقت اللائحة التنفيذية لنظام العمل لبعض أحوال القوة القاهرة وحالات الطوارئ إجمالا: كالحروب والزلازل والأمراض الوبائية..الخ، كأفضل ما حوته لائحة لبعض أشكال القوة القاهرة وحالات الظروف الطارئة، رغم أنها ليست لفسخ عقد العمل خصوصا. وتجدر الإشارة إلى أن المنظم أدرك مؤخرا ذلك القصور في تفسير الأنظمة لنظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة، فمع هذه الأحداث المتسارعة وأثر القرارات الحكومية على تعليق الأنشطة والأعمال، واستجابة لذلك اضطرت العديد من مؤسسات القطاع الخاص لإيقاف أعمالها جزئيا أو كلياً ما ضاعف حجم الضرر والخسارة في ظل التزاماتها المالية المستمرة ودفع رواتب موظفيها التزاما بالعقود المبرمة معهم، وفي البداية ومع صدور بيان من وزارة الموارد البشرية يشير إلى تأكيد الوزارة على أن عقود العمل ملزمة لطرفي العلاقة التعاقدية "العامل وصاحب العمل" ولا تؤثر الظروف الاستثنائية فيها، وتبعا لذلك فإن نظام العمل لا يسمح بمنح العاملين إجازة دون أجر بغير موافقتهم ، ويمكن اتباع طرق بديلة كالعمل عن بعد، إلا أن ذلك سيكون حلاً مؤقتاً، خصوصا للأعمال التي يتطلب فيها حضور الموظف ومباشرته العمل.

ومع استمرار الأزمة وتضاعف الخسائر وتضرر القطاعات جراء توقف الأعمال صدر قرار وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية رقم 142906 وتاريخ 13/8/1441هـ كاستجابة طارئة لتفسير وبيان تطبيقات القوة القاهرة والظروف الطارئة في عقود العمل كأهم نوع من أنواع العقود التجارية ليقرر ما يلي:
أولا: إضافة مادة برقم (41) إلى اللائحة التنفيذية لنظام العمل الصادرة بالقرار الوزاري رقم (70273) وتاريخ 11/4/1440هـ تنص على الآتي:
1. في حال اتخذت الدولة وفق ما تراه أو بناء على ما توصي به منظمة دولية مختصة ، إجراءات في شأن حالة أو ظرف يستدعي تقليص ساعات العمل ، أو تدابير احترازية تحد من تفاقم تلك الحالة أو ذلك الظرف، مما يشمله وصف القوة القاهرة الوارد في الفقرة (5) من المادة (الرابعة والسبعين) من النظام، فيتفق صاحب العمل ابتداءا مع العامل- خلال الستة أشهر الأولى لبدء اتخاذ تلك الإجراءات- على أي مما يلي:
أ‌. تخفيض أجر العامل، بما يتناسب مع عدد ساعات العمل الفعلية.
ب‌. منح العامل إجازة تحتسب من أيام إجازته السنوية المستحقة.
ت‌. منح العامل إجازة استثنائية، وفق ما نصت عليه المادة (السادسة عشر بعد المائة) من النظام.
2. لا يكون إنهاء عقد العمل بعد ذلك مشروعا إذا ثبت أن صاحب العمل قد انتفع بأي إعانة من الدولة لمواجهة تلك الحالة.
3. لا يخل ذلك بحق العامل في إنهاء عقد العمل.
ثانيا: ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وموقع الوزارة الالكتروني ويعمل به من تاريخه.
ثالثا : على نائب الوزير للعمل اتخاذ ما يلزم لتنفيذه.
وقد جاء هذا القرار من وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية استجابة للوضع الراهن واعتباراً صريحا لكون عقد العمل الخاص حاليا يخضع لبند القوة القاهرة الوارد في المادة (74) من نظام العمل الفقرة (5)، ومعالجة للإشكال التشريعي في نظام العمل ولائحته لتحديد ماهية الظرف الطارئ والقوة القاهرة "وفق ما تراه الدولة وبناءا على ما توصي به منظمة دولية مختصة" بشأن تعديلات عقد العمل بالتدرج الذي أشرنا له آنفا ، والإشارة إلى "ما تراه الدولة" ، كناية عن رأي الخبراء في تقدير حالة الظروف الطارئة، و"ما توصي به منظمة دولية مختصة" كناية عن ما يمكن أن يصدر من توصيات لمنظمات دولية مختصة علميا في المجال الذي أنشأ آثار القوة القاهرة والظروف الطارئة، كبيان منظمة الصحة العالمية بشأن اعتبار فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد جائحة عالمية، ليتم وفق ذلك تصنيفه كقوة قاهرة أو ظروف طارئة تؤثر على تنفيذ الالتزامات العقدية بين الأطراف وهو ما يتم العمل به في العقود التجارية الدولية كما سيتم بيانه. ولا شك أن الدولة حفظها الله لم تألو جهدا في دعم القطاعات المتضررة خصوصا بالقطاع الخاص ودعمه بمبالغ تجاوزت الخمسين مليار ريال في ظل الأزمة المتفاقمة، كما أن الدعم الملكي الكريم بتوجيه وزارة الموارد البشرية تحمّل نسبة60? من رواتب الموظفين بالقطاع الخاص، وما أشار له قرار وزير الموارد البشرية أعلاه : إلى أن إنهاء عقد العمل لا يكون مشروعا إذا ثبت أن صاحب العمل قد انتفع بأي إعانة من الدولة لمواجهة تلك الحالة، يشير إلى أن ذلك كله يعتبر من العوامل المخففة لحكم القوة القاهرة لتكون ظرفا طارئا مؤقتا لا يجيز ولا يبيح فسخ العقد وإنهاء الالتزام على إطلاقه.

2.3- قرارات وإجراءات حكومية لتخفيف الأثر القانوني لبند القوة القاهرة والظروف الطارئة على العقود التجارية

ذكرنا فيما سبق أن المملكة كانت من أوائل الدول التي اتخذت سبل الوقاية والاحتراز من تفشي وباء كورونا كوفيد 19 المستجد، وأدارت الأزمة بحزم وعزم، وقد أخذت على عاتقها بمسئولية والتزام تام حماية شعبها ووطنها من أي خطر يهدد سلامة أمنه الصحي، حتى لو كان ذلك بدعم خاص وسخي من خزينة الدولة لحفظ التوازن الاقتصادي والأمن المعيشي والوظيفي للمواطن والمقيم، وكان من ضمن ما اتخذته من قرارات وإجراءات استثنائية لتخفيف أو إلغاء آثار القوة القاهرة والظروف الطارئة الناجمة عن قرارات الإيقاف والتعليق لجُلّ الأعمال والأنشطة ما يلي:
1- دعم مؤسسة النقد العربي السعودي للقطاع المالي بمبلغ 50 مليار ريال وتمكينه من دعم نمو القطاع الخاص للمنشآت المتوسطة والصغيرة لتخفيف آثار الأزمة المالية والاقتصادية كالآتي:
أولاً: دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة: يتكون البرنامج من ثلاثة عناصر أساسية؛ تستهدف التخفيف من آثار التدابير الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتحديداً تخفيف أعباء تذبذب التدفقات النقدية ودعم رأس المال العام لهذا القطاع وتمكينه من النمو خلال المدة القادمة والإسهام في دعم النمو الاقتصادي والمحافظة على التوظيف في القطاع الخاص، ويشمل الآتي:
أ ـ برنامج تأجيل الدفعات (Deferred Payments Program): إيداع مبلغ يصل إلى (30) مليار ريال لصالح البنوك وشركات التمويل، مقابل تأجيل دفع مستحقات القطاع المالي (البنوك وشركات التمويل) لمدة ستة أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ابتداءً من تاريخه.
ب ـ برنامج تمويل الإقراض (Funding for Lending Program): تقديم التمويل الميسر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة يصل إلى مبلغ (13.2) مليار ريال، عن طريق منح قروض من البنوك وشركات التمويل لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة تستهدف دعم استمرارية الأعمال ونمو هذا القطاع خلال المرحلة الحالية، وبما يسهم في دعم النمو الاقتصادي والمحافظة على مستويات التوظيف في هذه المنشآت لمدة ستة أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ابتداءً من تاريخه.
ج ـ برنامج دعم ضمانات التمويل (Loan Guarantee Program ): إيداع مبلغ يصل إلى (6) مليارات ريال لصالح البنوك وشركات التمويل لتمكين جهات التمويل (البنوك وشركات التمويل) من إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تكاليف برنامج ضمانات تمويل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة) بغرض الإسهام في تخفيض تكلفة الإقراض للمنشآت المستفيدة من هذه الضمانات خلال العام المالي 2020م ودعم التوسع في التمويل لمدة ستة أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ابتداءً من تاريخه.
ثانيًا: دعم رسوم عمليات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية:دعم رسوم المدفوعات لجميع المتاجر ومنشآت القطاع الخاص لمدة (3) أشهر، وذلك بقيمة إجمالية تفوق (800) مليون ريال، من خلال تحمل "المؤسسة" لتلك الرسوم لصالح مقدمي خدمات المدفوعات المشاركين في المنظومة الوطنية.
ثالثًا: فيما يتعلق بالمنشآت المتأثرة جرّاء التدابير الاحترازية التي جرى تبنيها في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ تقوم "المؤسسة" حالياً بالتنسيق مع البنوك وشركات التمويل لتسهيل المدفوعات المتعلقة بتمويل هذه المنشآت.
2- صدور أمر ملكي، بتحمل الحكومة عبر نظام (ساند)، 60 في المائة من رواتب المواطنين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من التداعيات الحالية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، بقيمة إجمالية تصل إلى 9 مليارات ريال .
وصدر الأمر الملكي القاضي باستثناء العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من التداعيات الحالية جراء انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، من المواد الثامنة، والعاشرة، والرابعة عشرة، من نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، بحيث يحق لصاحب العمل بدلاً من إنهاء عقد العامل السعودي أن يتقدم للتأمينات الاجتماعية بطلب صرف تعويض شهري للعاملين لديه بنسبة 60 في المائة من الأجر المسجل في التأمينات الاجتماعية، لمدة ثلاثة أشهر، بحد أقصى 9 آلاف ريال شهرياً، وبقيمة إجمالية تصل إلى 9 مليارات ريال. وأشار إلى أن آلية الدعم ستكون بموجب الشروط المنصوص عليها في نظام التأمين ضد التعطل عن العمل (ساند)، للمنشآت المشمولة بالأمر الملكي، حيث تغطي نسبة 100 في المائة من السعوديين العاملين في المنشآت التي لديها 5 عاملين سعوديين أو أقل، وتصل حتى 70 في المائة من السعوديين العاملين في المنشآت التي يتجاوز عدد العاملين السعوديين فيها 5 عمال، مع إعفاء صاحب العمل من الالتزام بدفع الأجر الشهري للمستفيدين، وفق الأمر الملكي، ولا يحق للمنشأة إلزام العامل بالعمل خلال فترة صرف التعويض. واشترط الأمر الملكي أن تلتزم المنشآت باستئناف دفع أجور العاملين المستفيدين لديها وفق الأمر الملكي، فور توقف التعويض، كما تلتزم المنشأة بالاستمرار في دفع الأجور لبقية العمال (السعوديين وغير السعوديين) غير المشمولين بهذا التعويض.
3- صدور قرار إعفاء الوافدين المنتهية إقاماتهم من تاريخه وحتى 30 يونيو 2020م من المقابل المالي وذلك من خلال تمديد فترة الإقامات الخاصة بهم لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل.
4- تمكين أصحاب العمل من استرداد رسوم تأشيرات العمل المصدرة التي لم تستغل خلال مدة حظر الدخول والخروج من المملكة حتى في حال ختمها في جواز السفر، أو تمديدها لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل. 5- تمكين أصحاب العمل من تمديد تأشيرات الخروج والعودة التي لم تستغل خلال مدة حظر الدخول والخروج من المملكة لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل.
6- تمكين أصحاب الأعمال ولمدة ثلاثة أشهر من تأجيل توريد ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية وضريبة الدخل، وتأجيل تقديم الإقرارات الزكوية وتأجيل سداد الالتزامات المترتبة بموجبها، ومنح الشهادات الزكوية بلا قيود عن مدة إقرار العام المالي 2019م، والتوسع في قبول طلبات التقسيط بدون اشتراط دفعة مقدمة من قبل الهيئة العامة للزكاة والدخل، إضافةً إلى تأجيل تنفيذ إجراءات إيقاف الخدمات والحجز على الأموال من قبل الهيئة العامة للزكاة والدخل، ووضع المعايير اللازمة لتمديد فترة التأجيل للأنشطة الأكثر تأثراً حسب الحاجة.
7- تأجيل تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات لمدة ثلاثين يوماً مقابل تقديم ضمان بنكي، وذلك للثلاثة أشهر القادمة، ووضع المعايير اللازمة لتمديد مدة التأجيل للأنشطة الأكثر تأثراً حسب الحاجة.
8- تأجيل دفع بعض رسوم الخدمات الحكومية والرسوم البلدية المستحقة على منشآت القطاع الخاص، وذلك لمدة ثلاثة أشهر، ووضع المعايير اللازمة لتمديد فترة التأجيل للأنشطة الأكثر تأثراً حسب الحاجة.
9- تفويض وزير المالية للموافقة على الإقراض وغيره من صور التمويل والإعفاء من سداد رسوم وعوائد القروض الممنوحة حتى نهاية العام 2020م، لمبادرة برنامج استدامة الشركات.
10- صدور أمر ملكي كريم بتقديم العلاج مجاناً لجميع المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة في كل ما يتعلق بالعلاج من فايروس "كورونا".
11- صدور أمر ملكي بإطلاق سراح السجناء في القضايا الحقوقية المالية في جميع مناطق المملكة.

4.2- الأثر القانوني للأوامر الملكية الداعمة للقطاع الخاص على العقود التجارية

بالنظر إلى هذه القرارات والأوامر الملكية الكريمة، نجد أن بعضها تضمن شروطا تسقط حق استخدام بند القوة القاهرة والظروف الطارئة في العقود التجارية بدعوى أن القرار السيادي نفسه الذي قد يكون مسوغاً لاستخدام بند القوة القاهرة والظروف الطارئة هو الذي عالج هذه الظروف الطارئة، ونجد أنه في تكييفنا القانوني إجمالا لأثر القوة القاهرة على العقود التجارية التي تناولتها القرارات بالمعالجة والدعم المالي، عدم اكتمال شروطها التي من أهمها: تحقق الضرر وعدم التمكن من دفعه، وما تم من خلال هذه الأوامر السخية دفع للضرر المتحقق وإبطال لأثر القوة القاهرة والأحوال الاستثنائية.

3- نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة في القانون التجاري الدولي

لا شك أن التجارة الدولية باتت اليوم عصب الحياة ونبضها الذي يربط كل جزء من أجزاءها بالآخر في شتى المجالات، وهي طابع الحياة العصرية ووقود الاقتصاد العالمي، وحجم التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول يفوق المليارات سنوياً في تبادل الصادرات والواردات الدولية , وفي سبيل ضبط هذه العملية وتنظيمها لابد من قانون تجاري دولي ينظم عملية التبادل التجاري بين الدول وأنظمتها المختلفة، يشتمل على عقود البيع الدولية بأنواعها، والنقل الدولي وتأمين نقل البضائع الدولي، وغيرها من أنظمة التجارة الدولية، كما يتضمن القواعد والإجراءات المنظمة لعمليات الدفع والشراء وخطابات الاعتماد المالية، وجزء مهم من قانون التجارة الدولية يتضمن البحث في أحوال القوة القاهرة والظروف الطارئة ووصفها وتحديد آثارها على العقود التجارية الدولية كما سنشير إليه في أنظمة ومعاهدات التجارة الدولية التي تطرقت لها بشكل ينبئ عن اهتمام المنظمين والمشرعين الدوليين لاحتمالية التعرض لمثل هذه الأحوال الاستثنائية خصوصا في النقل الدولي وعمليه التبادل التجاري الدولي.

3.1- العقد التجاري الدولي

يتميز العقد التجاري الدولي بمعيارين أساسيين هما : 1-المعيار القانوني :: بحيث ترتبط عناصره القانونية بأكثر من نظام قانوني أو بعدة دول، وتختلف هذه العناصر موضوعيا إذا كانت دولة الإبرام غير دولة التنفيذ، أو شكليا كاختلاف جنسية المتعاقدين أو موطنهم. و2- المعيار الاقتصادي أو المالي، وهو مرتبط بالمعيار القانوني، ويميز العقد التجاري الدولي بكونه ينشئ تعاملات مالية دولية بين عدة دول وانتقال أموال تحكمها أنظمة التجارة المالية الدولية. وعقود البيع الدولية تظهر في شكلين أساسيين: عقود البيع الدولي للبضائع ،والعقود الدولية لتقديم الخدمات مثل بناء المنشآت وتشغيلها، وتمثل هذه العقود الأداة النظامية التي تستخدمها الدول في تنفيذ أعمال التجارة الدولية. يقوم المصدّر الدولي بتنفيذ هذه العقود من خلال بيع البضائع مباشرة للمستورد الدولي، أو ربما يختار المصدر الدولي أن ينشئ تجارة دولية خارجية لإدارة أعماله من خلال وكلاء محليين في بلد المستفيد فيما يعرف بالامتياز (FRANCHISE)، أو عبر فروعه ومكاتبه الدولية، أو عبر الموزعين المعتمدين أو الشركات الفرعية للشركة الأم بالمقر الرئيسي.

3.2- نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة في أنظمة ومعاهدات التجارة الدولية

تميزت التجارة الدولية بقوانينها ومعاهداتها التنظيمية لكافة مراحل عملية التبادل التجاري منذ الاتفاق والمفاوضة الأولية وإنشاء العقود إلى نقل البضائع وأدوات الشحن كبوليصة الشحن، وتأمين البضاعة وصولا إلى بلد المستورد وتسليم الشحنة وما يلزمها من وثائق اعتماد بلد المنشأ ووثائق سلامة المنتج، ووثائق الاعتماد المالي ووسائل الدفع والائتمان. ولم يغفل القانون التجاري الدولي اعتبار نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة والإشارة إليها كبند أساسي تفسيري في العقود التجارية. وقد أشار لذلك كارول ماري وديفيد هالوي في (شميثوف 2007) في كتاب قانون ممارسة التجارة الدولية إلى الآتي:
" قد يرى المصدّر الدولي أنه من الحكمة أن يتم مقدما تضمين بند بالاتفاقية ضمن الحقوق والواجبات يتضمن وقوع أحداث خارجة عن السيطرة، سواءا أكانت هذه الأحداث في نظر القانون، فاسخة للعقد أو لم تكن. هذه البنود في الحقيقة نادرا ما يتم العمل بها في واقع الممارسة، وتعرف ببنود القوة القاهرة، وتتفاوت بشكل كبير في مداها وتأثيرها. والأحداث التي يكون تأثيرها في نطاق القوة القاهرة ، يكون على الطرف المترافع أن يبذل جهدا لإثبات ذلك بشكل بالغ الصعوبة كونها تفسر في نطاق ضيق ومحدود، الأثر الفعال لبنود القوة القاهرة يعتمد بشكل أساسي في كل حالة على جودة صياغة وتأسيس بنود القوة القاهرة في العقد"

وغالبا ما يكون تضمين بند القوة القاهرة بشكل عام مقبولا أمام القضاء حيث يتم تفسيره لصالح الطرف المتضرر بموجب الاثباتات والمسوغات التي يتقدم بها، إلا أنه من الأفضل أن يتم تضمين العقد بنودا تفسيرية وتوضيحية وشاملة لأحداث القوة القاهرة الممكنة حدوثها مع ربط ذلك بموضوع العقد ونوعه ووظيفته التي تم إنشاؤه لأجلها، ويرى (شميثوف 2007) أن تضمين العقد دليلا متكاملا كملحق لوصف بند القوة القاهرة بحيث يكون مرجعا في الأحوال الاستثنائية، مع الاعتماد بشكل أساسي على البند الأساسي بالعقد أو الاتفاقية، وهذا من شأنه أن يوسع نطاق استخدام البند وتفعيله في حال المطالبة القضائية، والخروج من احتمالات اختلاف تفسير المعنى أو المقصود من القوة القاهرة لدى المرافعة القضائية. وتؤثر الظروف الطارئة على تنفيذ التزامات العقد التجاري الدولي بأربعة ضوابط: أن 1-يكون العقد زمنيا (محدد بمدة بين الانعقاد والتنفيذ) 2- أن يكون الحادث نادرا (استثنائيا كالكوارث) 3- عدم توقع الحدوث 4- ألا يكون ممكن الدفع. وفي كل الحالات فإن ذلك يخضع الطرفين لطاولة التفاوض لتعديل الالتزامات أشارت مبادئ نظام المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص Unidroit لهذا المبدأ بالمادة 6-2-3 للتفاوض بالتزامات العقد في الظروف الطارئة :
)مادة 6-2-3 ا?ثار الظروف الشاقة( 1- في حالة الظروف الشاقة، يحق للطـرف الـذي تعـرض لهـا طلـب ا?عـادة التفـاوض. ويتعـين توجيه هذا الطلب مسبباً دون تأخير غير مبرر. 2( لا يخول طلب ا?عادة التفاوض، في حد ذاته، للطـرف المضـرور مـن الظـرف الشـاق الحـق في الامتناع عن التنفيذ. 3( ا?ذا لـم يـتم التوصـل ا?لـى اتفـاق خـلال مـدة معقولـة، فيحـق لأي مـن الطـرفين اللجـوء ا?لـى القضاء. 4( ا?ذا توصــلت المحكمــة ا?لــى تــوافر الظــروف الشــاقة، فــيمكن لهــا ا?ن تقضــي – مــادام ذلــك معقولاً، بأي مما يلي: ا?( إنهاء العقد في التاريخ ووفقاً للشروط التي يتم تحديدها، ا?و ب( تطويع العقد بالتعديل، بهدف ا?عادة توازن الأداءات.
ARTICLE 6.2.3 (Effects of hardship) (1) In case of hardship the disadvantaged party is entitled to request renegotiations. The request shall be made without undue delay and shall indicate the grounds on which it is based. (2) The request for renegotiation does not in itself entitle the disadvantaged party to withhold performance. (3) Upon failure to reach agreement within a reasonable time either party may resort to the court. (4) If the court finds hardship it may, if reasonable,(a) terminate the contract at a date and on terms to be fixed, or (b) adapt the contract with a view to restoring its equilibrium.

وبشكل جلي فإن المادة 6-2-3 لآثار الظروف الشاقة بنظام اليوندروا نصت على خيار التفاوض بشأن الالتزامات العقدية (مع عدم الإخلال بتنفيذها من قبل الطرف المتضرر خلال طلب أو إعادة طلب التفاوض حال الرفض) يشير إلى أن جودة صياغة ضوابط الظروف الطارئة يمنع التنازع ما بين الأطراف، وهو ما قررته في نفس المادة حال الرفض باللجوء إلى القضاء، ونرى بشكل واضح أن المنظم ترك تقدير الظرف الطارئ ودرجة تأثيره للقضاء ليقرر أحد أمرين: فسخ العقد ، أو المضي فيه بتطويع التزاماته وتعديلها بما يتناسب مع شدة الظرف الطارئ، وفي كلا الأمرين فإن تفسير بند القوة القاهرة في العقد بشكل واضح ومفصل، سيحدد مسار التكييف القانوني للظرف الطارئ بشكل ميسر وحاسم. على الجانب الآخر فإن القوة القاهرة تؤثر بشكل يستحيل معه تنفيذ التزامات العقد التجاري الدولي والذي أشارت له اتفاقية الأمم المتحدة - فيينا 1980 للبيع الدولي للبضائع بلفظ (العائق) وتتحقق القوة القاهرة بضوابط: 1-كون الحادث خارجا عن إرادة الأطراف2- عدم التوقع 3-استحالة الدفع. أشارت اتفاقية فيينا لعدم التوقع بالمادة 79 :

الإعفاءات (79) 1-“لا يسأل أحد الطرفين عند عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا أثبت أن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وأنه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب عليه أو على عواقبه. 2- ا?ذا كان عدُم تنفيذ ا?حد الطرفين نتيجًة لعدم تنفيذ الغير الذي ُعهد ا?ليه بتنفيذ العقد كلا ا?و جزًءا فا?َّن ذلك الَّطرف لا يُعَفى من التَّبعة ا?لاّ ا?ذا:أ- أعفي منها بموجب الفقرة السابقة، ب- كان الغير سيعفى من المسئولية فيما لو طبقت عليه أحكام الفقرة المذكورة، 3- يحدث الإعفاء المنصوص عليه في هذه المادة أثره خلال المدة التي يبقى فيه العائق قائما.4 - يجب على الطرف الذي لم ينفذ التزاماته أن يوجه إخطارا إلى الطرف الآخر بالعائق وأثره في قدرته على التنفيذ. وإذا لم يصل الإخطار إلى الطرف الآخر خلال مدة معقولة بعد أن يكون الطرف الذي لم ينفذ التزاماته قد علم بالعائق أو كان من واجبه أن يعلم به فعندئذ يكون مسئولا عن التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم استلام الإخطار المذكور.5- ليس في هذه المادة ما يمنع أحد الطرفين من استعمال أي من حقوقه الأخرى خلاف طلب التعويضات وفقا لأحكام هذه الاتفاقية.
Section IV. Exemptions Article 79 (1) A party is not liable for a failure to perform any of his obligations if he proves that the failure was due to an impediment beyond his control and that he could not reasonably be expected to have taken the impediment into account at the time of the conclusion of the contract or to have avoided or overcome it, or its consequences. (2) If the party’s failure is due to the failure by a third person whom he has engaged to perform the whole or a part of the contract, that party is exempt from liability only if: (a) he is exempt under the preceding paragraph; and (b) the person whom he has so engaged would be so exempt if the provisions of that paragraph were applied to him. (3) The exemption provided by this article has effect for the period during which the impediment exists. (4) The party who fails to perform must give notice to the other party of the impediment and its effect on his ability to perform. If the notice is not received by the other party within a reasonable time after the party who fails to perform knew or ought to have known of the impediment, he is liable for damages resulting from such non-receipt. (5) Nothing in this article prevents either party from exercising any right other than to claim damages under this Convention.

وتشير المادة 79 باتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع 1980 إلى الإعفاء من مسئولية تنفيذ الالتزامات العقدية عند توافر شروط القوة القاهرة التي تمنع من تنفيذها، ونجد أن التدرج في رفع المسئولية وصولا إلى الإعفاء التام وفسخ العقد يناظر المبدأ الشرعي في وضع الجائحة الذي تم نقاشه سابقا في تباين واختلاف آراء الفقهاء في المسألة، كما نلحظ أن مسألة تقدير تحقق القوة القاهرة والظروف الطارئة في القانون التجاري الدولي متروكة للقضاء حال اختلاف الأطراف في تفسيرها، وهو أمر يُفَسّرُ بأن الحوادث الاستثنائية الغير متوقعة الحدوث لا يمكن دوما قياسها وتقديرها بضابط مستقر، وإنما تخضع لاختلاف الظروف والأحوال والملابسات التي يحكم فيها القضاء بقواعد العدالة والإنصاف مستندا في ذلك لعقد محكم الصياغة يشتمل على بنود القوة القاهرة بشكل تفصيلي، وإلى ادعاء بيّن ومسوغات نظامية محكمة.

3.3- المعيار القانوني للتمييز بين القوة القاهرة والظروف الطارئة في العقود التجارية الدولية

بشكل عام بالعقود التجارية هناك معيارين مهمين للتفرقة بين كون الحدث ظرفاً طارئاً أو قوة قاهرة مع اعتبار أركانهما المذكورة في الفقرات السابقة ،المعيار الأول: أن يكون حادثا فجائيا تزول معه العين أو المنفعة المعقود عليها وتمتنع في ذات اللحظة بالكلية بسبب ظرف قاهر فجائي فهذا مع بقية الأركان (قوة قاهرة) أو أن يكون حدثا طارئا لا تزول معه العين المعقود عليها أولا تمتنع معه المنفعة بالكلية وزمنه ممتد (متراخي) فهذه (ظروف طارئة) . المعيار الثاني: في التفرقة بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة، أن الأولى تكون فيها الالتزامات العقدية بين الطرفين قابلة للتنفيذ بشكل شاق ومكلف على غير العادة بينما الثانية يستحيل معها استحالة تامة تنفيذ الالتزامات بين الطرفين بزوال أحد أركان العقد بشكل كلي، ويتضح ذلك من خلال الوصف الوارد الذي أشرنا إليه باتفاقية فيينا لبيع البضائع الدولي حيث أشارت المادة 79 إلى لفظ العائق لتنفيذ الالتزام.. وكما وجد تفسير أحكام الجائحة في الفقه الحنفي مفصلا يبن حدود تكييف القوة القاهرة وضوابطها الشرعية، يناظره ما وجد في القوانين الدولية خصوصا (التجارية) منها ما يطابق هذه النظرية في الفقه الإسلامي.. والتفرقة في هذه القوانين دقيق جداً لحضور التطبيق لهذه النظرية.

4- خلاصة

لا شك أن الأحداث الاستثنائية التي نمر بها اليوم في ظل أزمة فايروس كورونا كوفيد 19 المستجد، ستعلمنا درسا قانونيا مهما في استقراء الأحداث والتنبؤ بها قبل وقوعها، خصوصا في الاستعداد النظامي الجدير بالثقة، وذلك بدراسة وافية لنظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة واستقراء موادها وتوضيح تفسيراتها المتواضعة في أنظمة المملكة العربية السعودية واستحداث نظام تفسيري شامل لأحداث القوة القاهرة وأحوال الظروف الطارئة وتطبيقاتها في العقود التجارية، وتضمين هذه العقود ببنودها التفصيلية التي ترفع الحرج وتضيق دائرة الاجتهاد لدى السلطات القضائية، والجهات الإدارية، وذلك سيملأ حتما خانة هامة في منظومتنا التشريعية المتميزة، وسيغني عن ترك هذه المسألة لنزاع الأطراف وتقدير القضاء، ولا شك أن التنظيم الحاضر في الممارسة التجارية الدولية سيثري هذه التجربة البحثية والاستقرائية للوصول لأفضل ممارسة قانونية بهذا الخصوص.

شارك بالإعداد والمراجعة

المحامي الدكتور / أحمد بن عمر بالبيد
دكتوراه الدراسات القضائية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية
قسم الشريعة الدراسات الإسلامية - جامعة الملك عبدالعزيز
ماجستير السياسة الشرعية – الأنظمة – المعهد العالي للقضاء
بكالوريوس القضاء – كلية الدراسات القضائية والأنظمة – جامعة أم القرى
T +966503505505
Balbaid505@gmail.com

المراجع

أولا: المراجع العلمية العربية
I. مقاصد الشريعة الإسلامية لمحمد الطاهر بن عاشور.
II. تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية والفتوية معالي الشيخ عبدالله بن محمد آل خنين.
III. القانون التجاري السعودي للدكتور محمد حسن الجبر.
IV. المغني لابن قدامة المقدسي.
V. الروض المربع شرح زاد المستقنع لمنصور بن يونس البهوتي.
VI. الموسوعة الفقهية الكويتية.
VII. منهج الفقهاء المعاصرين في تناول نظرية الظروف الطارئة -تحليل ونقد -أيمن الدباغ .
VIII.
نظرية الظروف الطارئة وأثرها في التوازن الاقتصادي على العقد -دراسة تحليلية في ضوء قانون المعاملات المدني الإماراتي، خميس صالح المنصوري IX. أثر تغيير الظروف في عقود التجارة الدولية، الدكتور شريف غنام.
X. مجموعة الرسائل والمسائل-وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤجرات لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية.
XI. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي.
XII. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية.
XIII. القواعد الفقهية لعلي أحمد الندوي.
ثانيا: المقالات العلمية العربية
I. الآثار القانونية لفايروس كورنا ، إبراهيم محمد الحديثي.
II. كورونا COVID 19 والاقتصاد العالمي تقرير مركز الدراسات والبحوث بالغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة 15 مارس 2020 م.
III. الجناية بنقل الأمراض للدكتور أحمد بن عبدالله آل طالب.
IV.
الآثار القانونية لفايروس كورونا المستجد على الالتزامات التعاقدية. الدكتور محمد الخضراوي V. التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي وعلاقته بتعويض أضرار الكوارث الطبيعية في النظام السعودي. محمد عبدالعزيز أبو عباة.
ثالثا: المراجع العلمية الأجنبية
I. Murray. C, Holloway and Hunt. 2007, Export trade: the law and practice of international trade . Schmitthoff. Edition 11.
II. Carr, I. and Kidner, R. (2003) Statutes and Conventions on International Trade Law, 4th Edition.
III. United Nations Convention on Contracts for the International Sale of Goods, Vienna Convention 1980.
IV. UNIDROIT PRINCIPLES OF INTERNATIONAL COMMERCIAL CONTRACTS 2010 English.
V. Force Majeure Under the Coronavirus (COVID-19) Pandemic, Paul|Weiss, March 2020.